الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ذلك عَالمُ الغيب والشهادة} فيدبر أمرهما على وفق الحكمة. {العزيز} الغالب على أمره. {الرحيم} على العباد في تدبيره، وفيه إيماء بأنه سبحانه يراعي المصالح تفضلًا وإحسانًا.{الذى أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلَقَهُ} خلقة موفرًا عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة، وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته، و{خَلَقَهُ} مفعول ثان. وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل. {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان} يعني آدم. {من طينٍ}.{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل. {من سُلاَلَةٍ مّن مَّاءٍ مَّهينٍ} ممتهن.{ثُمَّ سَوَّاهُ} قَوَّمَّهُ بتصوير أعضائه على ما ينبغي. {وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} إضافة إلى نفسه تشريفًا له وإشعارًا بأنه خلق عجيب، وأن له شأنًا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله قيل من عرف نفسه فقد عرف ربه. {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} خصوصًا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا. {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} تشكرون شكرًا قليلًا.{وَقَالُوا أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} أي صرنا ترابًا مخلوط بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها. وقرأ: {ضَلَلْنَا} بالكسر من ضل يضل و{صللَنا} من صل اللحم إذا أنتن، وقرأ ابن عامر {إذا} على الخبر والعامل فيه ما دل عليه. {أَئنَّا لَفى خَلْقٍ جَديدٍ} وهو: نبعث أو يجدد خلقنا. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب أنا على الخبر، والقائل أبي بن خلف وإسناده إلى جميعهم لرضاهم به. {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ} بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده. {كافرون} جاحدون.{قُلْ يتوفاكم} يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئًا ولا يبقي منكم أحدًا، والتفعل والإستفعال يلتقيان كثيرًا كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته. {مَّلَكُ الموت الذي وُكّلَ بكُمْ} بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم. {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} للحساب والجزاء.{وَلَوْ ترى إذ المجرمون نَاكسُوا رءوسهمْ عندَ رَبّهمْ} من الحياء والخزي. {رَبَّنَا} قائلين ربنا. {أبصارنا} ما وعدتنا. {وَسَمعْنَا} منك تصديق رسلك. {فارجعنا} إلى الدنيا. {نَعْمَلْ صالحا إنَّا مُوقنُونَ} إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره لرأيت أمرًا فظيعًا، ويجوز أن تكون للتمني والمضي فيها وفي {إذْ} لأن الثابت في علم الله بمنزلة الواقع، ولا يقدر ل {تَرَى} مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت، أو يقدر ما دل عليه صلة إذا والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد.{وَلَوْ شئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له. {ولكن حَقَّ القول منّي} ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ منَ الجنة والناس أَجْمَعينَ} وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار، ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسببًا عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله: {فَذُوقُوا بمَا نَسيتُمْ لقَاءَ يَوْمكُمْ هذا} فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له. {إنَّا نسيناكم} تركناكم من الرحمة، أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء الفعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم. {وَذُوقُوا عَذَابَ الخلد بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم تدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلًا منهما يقتضي ذلك. اهـ.
|